تابع : اشتداد أذى قريش ومقاطعتها بني هاشم
فقال عند ذلك النفر من بني عبد مناف وبني قصي ورجال من قريش ولدتهم نساء من بني هاشم منهم أبو البحتري والمطعم ابن عدي وزهير بن أبي أمية بن المغيرة وزمعة بن الأسود وهشام بن عمرو - وكانت الصحيفة عنده وهو من بني عامر بن لؤي - في رجال في أشرافهم ووجوههم: نحن برءاء مما في هذه الصحيفة.
فقال أبو جهل لعنه الله: هذا أمر قضي بليل وأنشأ أبو طالب يقول الشعر في شأن صحيفتهم .. ويمدح النفر الذين تبرءوا منها ونفضوا ما كان فيها من عهد ويمتدح النجاشي.
قال ابن إسحاق: لما اجتمعت على ذلك قريش وصنعوا فيه الذي صنعوا قال أبو طالب:
ألا أبلغا عني على ذات بيننا .... لؤيا وخصا من لؤي بني كعب
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا .... نبياً كموسى خط في أول الكتب
قال ابن إسحاق: فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثاً حتى جهدوا ولم يصل إليهم شيء إلا سراً مستخفياً به من أراد صلتهم من قريش .. وقد كان أبو جهل بن هشام، فيما يذكرون - لقي حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد معه غلام يحمل قمحاً يريد به عمته خديجة بنت خويلد وهي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب فتعلق به وقال أتذهب بالطعام إلى بني هشام بن الحارث بن أسد فقال: مالك وله.
فقال: يحمل الطعام إلى بني هاشم فقال له أبو البحتري: طعام كان لعمته عنده بعثت به إليه أتمنعه أن يأتيها بطعامها؟ خل سبيل الرجل.
قال فأبى أبوجهل - لعنه الله - حتى نال أحدهما من صاحبه فأخذ البحتري لحى بعير فضربه فشجه ووطئه وطئاً شديداً، وحمزة ابن عبد المطلب قريب يرى ذلك وهم يكرهون أن يبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيشتمون بهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك يدعو قومه ليلاً ونهاراً وسراً وجهاراً منادياً بأمر الله تعالى لا يتقي فيه أحداً من الناس.
فجعلت قريش - حين منعه الله منها وقام عمه وقومه من بني هاشم وبني عبد المطلب دونه وحالوا بينهم وبين ما أرادوا من البطش به - يهمزونه ويستهزئون به ويخاصمونه وجعل القرآن ينزل في قريش بأحداثهم وفيمن نصب لعداوته، منهم من سمي ومنهم من نزل القرآن في عامة ذكر الله من الكفار.
فذكر ابن إسحاق أبا لهب ونزول السورة فيه. وأمية بن خلف ونزول قوله تعالى: (ويل لكل همزة لمزة) (الهمزة 1) السورة بكاملها فيه.
قال ابن إسحاق : وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا - يوماً مع الوليد بن المغيرة في المسجد فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم، وفي المجلس غير واحد من رجال قريش فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض له النضر، فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه، ثم تلا عليه وعليهم: (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون. لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل ما فيها خالدون. لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون) (الأنبياء 98 - 100).
ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل عبدالله بن الزبعري السهمي حتى جلس فقال الوليد بن المغيرة له والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبدالمطلب آنفاً وما قعد، وقد زعم محمد أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم فقال عبدالله الزبعري: أما والله لو وجدته لخصمته، فسلوا محمداً أكل من نعبد من دون الله حصب جهنم مع من عبده فنحن نعبد الملائكة واليهود تعبد عزيزاً والنصارى تعبد عيسى؟ فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس من قول ابن الزبعري ورأوا أنه قد احتج وخاصم فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (كل من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبده في النار أنهم إنما يعبدون الشياطين ومن أمرتهم بعبادته).
قال موسى بن عقبة عن الزهري: ثم إن المشركين اشتدوا على المسلمين كأشد ما كانوا حتى بلغ المسلمين الجهد، واشتد عليهم البلاء، وجمعت قريش في مكرها أن يقتلوا محمد صلى الله عليه وسلم علانية فلما رأى أبوطالب عمل القوم جمع بني عبدالمطلب وأمرهم أن يدخلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبهم، وأمرهم أن يمنعوه ممن أرادوا قتله فاجتمع على ذلك مسلمهم وكافرهم، فمنهم من فعله حمية، ومنهم من فعه إيماناً ويقيناً.
فلما عرفت قريش أن القوم قد منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجمعوا على ذلك اجتمع المشركون من قريش فأجمعوا أمرهم أن لا يجالسوهم ولا يبايعوهم ولا يدخلوا بيوتهم حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل وكتبوا في مكرهم صحيفة وعهوداً ومواثيق ولايقبلوا من بني هاشم صلحاً أبداً ولا يأخذوهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل.
فلبث بنو هاشم في شعبهم ثلاث سنين واشتد عليهم البلاء والجهد وقطعوا عنهم الأسواق فلا يتركوا لهم طعاماً يقدم مكة ولا بيعها إلا بادروهم إليه فاشتروه يريدون بذلك أن يدركوا سفك دم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أبو طالب إذا أخذ الناس مضاجعهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاضجع على فراشه حتى يري ذلك من أراد به مكراً واغتيالاً له، فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو أخوته أو بني عمه فاضجعوا على فراش رسول الله صلى الله عليه وسم وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بعض فرشهم فينام عليه. فلما كان رأس ثلاث سنين تلاوم رجال من بني عبد مناف ومن قصي ورجال من سواهم من قريش قد ولدتهم نساء من بني هاشم، ورأوا أنهم قد قطعوا الرحم واستخفوا بالحق، واجتمع أمرهم في ليلتهم على نقض ما تعاهدوا عليه من الغدر والبراءة منه، وبعث الله على صحيفتهم الأرض فلحست كل ما كان فيها من عهد وميثاق.
ويقال: كانت معلقة في سقف البيت وأطلع الله رسوله على الذي صنع بصحيفتهم فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب.
لا والثواقب ما كذبني، فانطلق يمشي بعصابته (أهله) من بني عبدالمطلب حتى أتى المسجد وهو حافل من قريش فلما رأوهم عامدين لجماعتهم أنروا ذلك وظنوا أنهم خرجوا من شدة البلاء فأتوهم ليعطوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم أبو طالب فقال: قد حدثت أمور بينكم لم نذكرها لكم، فاتوا بصحيفتكم التي تعاهدتم عليها فعله أن تكون بيننا وبينك صلح - وإنما قال ذلك خشية أن ينظروا في الصحيفة قبل أن يأتوا بها - فأتوا بصحيفتهم معجبين بها لا يشكون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مدفوعاً إليهم فوضعها بينهم وقالوا: قد آن لكم أن تقبلوا وترجعوا إلى أمر يجمع قومكم فإنما قطع بيننا وبينكم رجل واحد جعلتموه خطراً لأهلك قومكم وعشيرتم وفسادهم..
فقال أبو طالب: إنما أتيتكم لاعطيكم أمراً لكم فيه نصف: إن ابن أخي أخبرني - ولم يكذبني - أن الله برأ من هذه الصحيفة التي في أيديكم ومحا كل اسم هو له فيه وترك في غدركم وقطيعتكم إيانا وتظاهركم عليها بالظلم فإن كان الحديث الذي قال ابن أخي كما قال فأفيقوا والله لا نسلمه أبداً حتى يموت من عندنا آخرنا، وإن كان الذي قال باطلا دفعناه إليكم فقتلتموه ان استحييتم (استحيا السير: تركه حياً فلم يقتله) قالوا: قد رضينا بالذي تقول ففتحوا الصحيفة فوجدوا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قد أخبر خبرها، فلما رأتها قريش كالذي قال أبو طالب قالوا: والله إن كان هذا قط الأسحر من صاحبكم فارتكسوا (ارتدوا) وعادوا بشر ما كانوا عليه من كفرهم والشدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والقيام على رهطه بما تعاهدوا عليه.
فقال أولئك النفر من بني عبدالمطلب: إن أولى بالكذب والسحر غيرنا فكيف ترون فإنا نعلم ان الذي اجتمعتم عليه من قطيعتنا أقرب إلى الجبت والسحر من أمرنا، ولولا أنكم اجتمعتم على السحر لم تفسد صحيفتكم وهي في أيديكم طمس ما كان فيها من اسمه وما كان فيها من بغي تركه أفنحن السحرة أم أنتم؟
عبروا عن حضارتكم و أخلاقكم ,,
و لا تخرجو ا من الموضوع بدون اضافة رد ,,
و كما تستفيدو ا اجعلو غيركم يستفيد ,,